📁 آخر الأخبار

فرنسا-الجزائر-الصحراء المغربية..

فرنسا-الجزائر-الصحراء المغربية..

 فرنسا-الجزائر-الصحراء المغربية..

أسئلة تفرضها ظرفية الحدث؟
إن التمعن في لغة وديباجة البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الجزائرية حول التغير المحتمل للموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية يضعنا أمام كم لا يستهان به من التساؤلات وعلامات الاستفهام الممزوجة بالتعجب.

إن خلاصة البيان (المناورة) هو أن وزارة الخارجية الجزائرية تؤكد أن فرنسا أبلغتها في الأيام الأخيرة قراراها دعم خطة “الحكم الذاتي” التي اقترحها المغرب تحت سيادته لتسوية النزاع في الصحراء!!!.

وكأننا أمام موقف جديد لفرنسا حيال هذه القضية؟!!

وكأن كاتب البيان اختلط عليه ما كان يتمناه بأن تستبدل فرنسا موقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي بموقف رافض له. وهذا طبعا لم يحدث، وبالتالي قد أجد تبريرا للغضب (نسخة مصغرة من السعار) لدى الطرف الجزائري في هذه القضية.

لكن أكثر ما هو مسكوت عنه في هذا البيان هو استباقه لموقف فرنسي جديد محتمل قد يذهب إلى حد الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو الأمر الذي لم يذكره بيان وزارة الخارجية الجزائرية – الذي بالمناسبة تم حذفه من صفحة الوزارة لسبب لا أجهله – فلغة البيان وديباجته تعمدت التركيز على موقف فرنسي قديم (دعم مقترح الحكم الذاتي)، وتجاهلت مكمن الخوف الجزائري عمدا ضمن إستراتيجية اللعب على السقوف الدنيا والعليا لما يرضي الجزائر وما لا يرضيها في الموقف الفرنسي.

جاء البيان ليقول لفرنسا (بلهجة التهديد) إن رفض الجزائر دعمك مقترح الحكم الذاتي مازال قائما، وإن أي خطوة أكثر تقدما حيال المغرب سوف تكون سببا لتأزم أكبر للعلاقة بين الجزائر وباريس. والطرف الجزائري بذلك يريد أن يحفظ لنفسه حدا أدنى يُمْكِنه من خلاله أن يظهر بمظهر الطرف المرن؛ كأن يقايض فرنسا، مثلا، بتنازلات كثيرة مقابل استقرارها على موقفها القديم، وهو ما يرفضه المغرب، الذي يطالب باريس بوضوح أكبر وموقف لا يشوبه أي غموض.

نعم، إن السيئ بالنسبة للجزائر هو عدم رضوخ باريس لضغوطها بعدم دعم مقترح الحكم الذاتي، لكن الأسوأ منه هو أن تعترف فرنسا صراحة بسيادة المغرب على الصحراء، أو أن ترفع يدها عن الوثائق والخرائط التي تؤكد حقوق المغرب المنهوبة وأهمها الصحراء الشرقية.

إذن نحن أمام بيان أريد له أن يُبلغ رسالة إلى فرنسا وبعد ذلك يتم سحبه، تاركا سبب سحبه مفتوحا على كل الاحتمالات.

لكن ماذا عن الطرف الفرنسي؟ ففرنسا في نهاية المطاف هي المعني الآخر بما تضمنه البيان من وعيد، وهي في الآن ذاته المستفيد الأول منه (على الأقل في الخفاء).

أليس من الوارد أن يكون رفض وزير الخارجية الفرنسي التعليق على بيان الخارجية الجزائرية هو كذلك مناورة؟ هدفها أن تُقدم باريس نفسها بمظهر الدولة الصديقة للمغرب، التي ترفض أن تغير موقفها القديم الداعم لمقترح الحكم الذاتي؟ راجية أن يقدر لها المغرب ذلك ويكف عن المطالبة بما هو أكثر.

لن أستغرب أن يكون بيان الخارجية الجزائرية هُندس له بباريس لاستغلاله استباقيا قبل الزيارة المرتقبة للرئيس ماكرون إلى المغرب. ولن أستغرب كذلك أن يكون هذا البيان مجرد مناورة لرفع سقف الثمن الذي تأمل باريس قبضه مقابل أي اعتراف بمغربية الصحراء.

للجواب عن هذا التساؤل يرى البعض أن باريس في غنى عن أي مباركة جزائرية لقراراتها السيادية، لكنني أتشبث بالقول إنه ليس من مصلحتها القطع مع الجزائر ومازال لديها ما يكفي من أوراق الضغط عليها، لعل أهمها الوثائق الرسمية والخرائط التي تدحض مقولة الحدود الموروثة عن الاستعمار. وذلكم هو البعبع والكابوس الذي أرق ومازال يؤرق الدبلوماسية الجزائرية. وبالتالي فإن الاعتراف الفرنسي المحتمل بمغربية الصحراء لا يحول دون حدوثه سوى تصميم باريس بأن يرقى ثمن هذا الاعتراف لما تتطلع إليه الدبلوماسية الفرنسية. بينما نراها تستعمل الطرف الجزائري لتمرير رسائلها.

إن احتجاج البيان الجزائري في رأيي على الدعم الفرنسي لمقترح الحكم الذاتي يؤكد بالملموس أنه يقدم خدمة لباريس ويضفي المزيد من القيمة على موقفها القديم، بل ويكاد يرفعه إلى مستوى السقف الأعلى لما يمكنها تقديمه. والهدف هو قطع الطريق على فرضية الاعتراف الصريح بسيادة المغرب على الصحراء.

هنا إذن تكمن أبعاد المناورة الجزائرية، فحين يصف البيان موقف فرنسا القديم بـ”القرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية” فهو يخلط عمدا بين موقف فرنسي قديم وآخر في الطريق لا يسميه بالاسم، بل أشار إليه بعبارة “الدعم الصريح الذي لا يشوبه أي لبس”.

لكن ما الذي يعنيه البيان بالدعم الصريح الذي لا يشوبه أي لبس؟.

إنه طبعا الاستجابة لمطلب المغرب بضرورة أن توضح فرنسا موقفها من مغربية الصحراء، بينما يظل موضوع دعمها مقترح الحكم الذاتي قائما ضمن دعمها المسار الذي يتبناه مجلس الأمن والمنتظم الدولي حيال هذا المشكل المفتعل.

هنا نفهم أن المستفيد من هذا البيان ليس الجزائر بالدرجة الأولى بقدر ما هي باريس التي تحاول قدر الإمكان أن يُقَابل المغرب موقفها القديم بما يستحقه من تقدير وسخاء، أو لعلها تستبق موقفها الجديد برفع سقف ما تريده كثمن.

لكننا لو افترضنا أن هذه النية موجودة لدى فرنسا فإن السؤال الذي سينبري هو:

ما الذي تريده باريس كثمن؟

فرنسا تدرك جيدا أن المغرب لا يشتري المواقف بشأن وحدته الترابية وأن أقصى ما سيقدمه هو عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، فيما ستظل المبادلات التجارية والاستثمارات الفرنسية في المغرب على ما كانت عليه قبل أن تعبث بها (قلة خبرة) رئيسها إيمانويل ماكرون.

وفرنسا تدرك جيدا أن المغرب تمكن من فك شفرة ازدواجية خطابها الدبلوماسي تجاه قضية الصحراء، وهي اليوم أكثر اقتناعا بأن عليها أن تقدم شيئا ملموسا وأكثر قيمة لكي تستعيد مقعد الدولة الصديقة والموثوقة بها لدى المغرب؛ وأنا أدرك أن ذلك سيكلفها نوعا من وجع الرأس (الشقيقة) من قبل الجزائر، كما أدرك كذلك أن الدبلوماسية الفرنسية تريد إيجاد مخرج يحفظ لها القدرة على الإمساك بموقف يرضي الجميع وفي الوقت نفسه يحول دون حل مشكلة الصحراء. فتستطيع باريس أن تدعي تارة أنها مع الموقف الدولي المساند لمقترح الحكم الذاتي وتارة ستقول إنها تعترف بسيادة المغرب على الصحراء.

وكخلاصة لما سلف أرى أن بيان وزارة الخارجية الجزائرية أدى وظيفة مرحلية ربما تتضح ملامحها مع ما سيليه من مواقف وبيانات في المستقبل القريب.

(*) إعلامي وخبير في الشؤون الأميركية

هيئة التحرير
هيئة التحرير
تعليقات